الملتقى القطري للمؤلفين يناقش الهوية الوطنية وأهمية الحفاظ عليها في بلاد الغرب أكتوبر 11, 2020
ضمن مبادرة رسالة مثقف قدمت الباحثة الدكتورة ملك مصطفى محاضرة بعنوان ” الهوية الوطنية وأهمية الحفاظ عليها في بلاد الغرب” تم بثها مساء الأحد عبر قناة يوتيوب الملتقى.
و استهلت د. مصطفى المحاضرة بالقول “أن يكون للإنسان وطن، هذا يعني أن له هوية، وأن يكون مواطنا صالحا يقوم بواجباته نحو وطنه، يكون قد اكتسب المواطنة عن جدارة، وأن يقدم له الوطن حقوقه من عدالة ومساواة وديمقراطية وحرية وحماية، فهذا يكون جلّ ما يطمح إليه الإنسان في هذه المعمورة.”
فالوطن، هو بيت الإنسان ومأواه، هو أرضه والسماء، وحين نغادره لسبب ما، فنحن لا نغادره بل نترك ذاتنا فيه ونحمله معنا حنينا متوقداً. فالوطن ليس ثوبا نبدله، ولا كتاباً نركنه في مكان حين ننتهي من قراءته، بل هو هويتنا التي نحترمها ونحافظ عليها وندافع عنها، وهو الوحيد الذي يمتلكنا، لايمكننا التخلي عنه وإن أوجعنا. هو الأرض الأم والإنتماء.
و أضاقت أن الهوية الوطنية، هي ما نكتسبه من الوطن ، حيث ولدنا ونشأنا على عادات وتقاليد وقيم خاصة بهذه الأرض تاريخاً وموقعا جغرافياً. هي الانتماء والولاء، القائم على المحبة والعطاء، المترجم بسلوكنا وأفعالنا واحترامنا والتضحيات. وللهوية الوطنية أهميتها في تقدم الأمم وازدهارها وبدونها تفقد الجماعات معنى وجودها واستقرارها وتطورها، وهي تمنح الفرد الشعور بالأمان والقوة، لكونه ليس وحيدا، وهو ليس نكرة..
حيث تتحدد مقومات الهوية باللغة والثقافة، والتعايش المشترك، ومواجهة التحديات.
وأوضحت أن الأسرة هي التي ترسم المعالم الأولى للهوية ، من قواعد التربية الأولى، من قيم ومبادئ ليُطعمَ كلُّ ذلك بالسّمات العامة التي تميز مجتمعا عن آخر، من خلال الموروث الثقافي والمعرفي، فالثقافة المجتمعية المتوارثة هي ما يميز جماعة عن أخرى، بمكوناتها المادية، التاريخية، الثقافية في إطار تنظيم متكامل.
و استشهدت بمقولة مقتطفة من كتاب التعريفات للجرجاني وهي ” الهوية هي الحقيقة المطلقة، المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة “. فالهوية هي الامتياز من الغير، والمطابقة لخصوصية الذات وما يميزها عن الآخر، فرداً أو مجتمعاً، من قيم ومقومات.
وللهوية الوطنية لازمة، هي الهوية الثقافية، فهُما معا مثل الجفن والعين. هي ذاتُ الفرد بقيمها وقواعد تربيتها مُطعّمةٌ بالموجود الثقافي والمعرفي المتراكم والمُتأتى من اللغة والعادات والتقاليد، من الأعراف والدين والتاريخ. ومن دون الحفاظ على هذه الخصائص، من دون هوية وطنية اجتماعية ثقافية يضيع الشباب في المغترب والمهجر، فيغترب الأفراد عن بيئاتهم الاجتماعية والثقافية، وفي كثير من الحالات عن أنفسهم، والكارثة الكبرى، هي عندما يغترب هؤلاء في هوية أخرى، لا يُدركون منها شيئا، فيضيعون. ولهذا نجد الكثيرين من الشباب العرب الذين غادروا هويتهم، وأقصد هنا، لم يتمسكوا بها ولم يحافظوا عليها ، إلى هوية أخرى لا يعرفون عنها شيئا، عندئذٍ يضيعون في المفترق. فلا هم أبناء الوطن الذي رحلوا عنه، ولا هم أبناء الوطن الثاني الذي هاجروا إليه لأنهم لم يندمجوا فيه ولم يتعايشوا مع أفرده بمختلف شرائحه الاجتماعية. ولهذا هم عاجزون عن انجاز أي مشروع مهما كان نوعه. الإنسان لا يمكنه أن يتحرك دون أن يكون له ذات تميزه عن الآخرين.
في الواقع، عندما نتعامل مع بلد المهجر كوطن ثاني، نستطيع أن نحافظ على موروثنا الثقافي، من خلال أعمالنا وحضورنا في المجتمع الجديد، من خلال دَورنا فيه وسعينا وراء تلاقح اجتماعي ثقافي معرفي . فلا نفقد ما نشأنا عليه ولا نذوب بالجديد، فالمُهاجر إذا لم يكن حاملا لهوية وطنية ثقافية قوية قد يُصاب بانفصام في شخصيته وتفكيره، فلا هو هنا، ولا هو هناك، لأن شخصية المهاجر قد تكونت في وطنه وتلونت بأطيافه، من لغة ودين وعادات وتقاليد ومناخ وتضاريس، فجاء فكره انعكاسا لمحيطه، وحين يترك وطنه يجد نفسه مضطرا لتقبل المجتمع الجديد بعاداته وأساليب العيش الجديدة، لينجح في حياته ويؤمّن أسباب الحياة”
ولكن حين يقسو حكّام الوطن على المواطنين، حين يسجنونهم ويعذبونهم، حين لا يقومون بواجبهم نحو مواطنيهم، يتحوّل الحب إلى عتبً وحزن دفين عند الشعراء والكُتاب وغيرهم من الشرائح الاجتماعية”
حيث يقول نزار قباني: الوطن إذا كان معي رقيقا، فأنا أكون رقيقاً معه، وإذا كان عادلاً معي ، فأنا سأكون عادلاً معه، وإذا أهداني وردة، أهديته ألف وردة، ولكن إذا ضربني على خديّ الأيمن، فلن أُدير له خديّ الأيسر أبدا.
ويقول: أحاولُ رسمَ بلادٍ تُسمّى مجازاً بلاد العرب.
وأوضحت أن معاناة المواطن تبدأ حين تُفرض عليه الغربة والاغتراب، حين يَنتزع الحكامُ منه حق المواطنة، هذا المواطن المكلوم بحبه لهذا الوطن، فكان المثقفون و لاسيما الشعراء يحملون الوطن في جوارحهم و كلماتهم.
فعلى غرار قباني تغنى محمد الماغوط بالوطن و حمل همومه وهو الذي أمضى فترات من شبابه سجيناً أو ملاحقاً، أو مقيما تحت المجهر، فكثيرا ما نكون نعاني مرارة الغربة ونحن داخل الوطن ، حين نرى الحزن في عيون الأطفال والأمهات، في عيون المسنين الذين لطالما حملوا الوطن على أكتافهم.
و عبرت غن حزنها لما يعيشه العالم العربي من مآسي و حروب إذ أن أقسى شيء يعيشه المواطن أن يكون في وطنه خائفا . فالخوف هو الظلم ولا تبرير لوجوده مطلقا.
فالحفاظ على الهوية الوطنية اصبح هاجس جميع الشعوب حتى التي تعيش في حالة استقرار و رخاء و ذلك نظرا للعولمة و تمازج الثقافات حيث عبرت الكاتبة مريم ياسين الحمادي في كتابها “هويتي قطري” عن قلقها حيال الهوية الوطنية وخوفها عليها من الضياع في المجتمعات الغربية حين يذهب أبناء الوطن بقصد الدراسة أو العمل أو لأي غرض كان، حيث كتبت “يتحمل الأفراد المسؤولية لمشاركة كافة المؤسسات تجاه الواجب والحق في ذات الوقت والقيام بواجبهم تجاه أنفسهم والوطن وذلك من خلال تحسن الاداء ونبل القيم والجدية والانتاجية والاخلاص للوطن مما يؤدي الى تشكل الهوية الوطنية التي تليق بدولة قطر ومكانتها لأن كل القيم تبدأ من الداخل وتنعكس على الخارج فهي تظهر على شكل سلوك وانجازات كميّة ونوعية ويترجم هذا السلوك فهم القيم والهوية الوطنية بشكل خاص، فعلى نطاق الفرد من ناحية احترامه لدينه وثقافته ويشمل ذلك اللغة والزي التقليدي، وخاصة في أوقات العمل والمناسبات الرسمية، كما يشمل تصرفاته في كل موقف يقف فيه ويصبح محركا للعمل المسؤول لأنه نابع من حس المواطنة المسؤولة، مؤكدة أن الانسان هو العنصر الاقوى الذي يحدد قوة الهوية للمجتمع كما انه العنصر الذي يسهم في إحداث الفرق الذي نريده لقطر في العالم “.
و لم نكتفي الباحثة بطرح إشكالية الهوية في بلاد الغرب بل قدمت مجموعة من المقترحات للحفاظ على الهوية الوطنية باعتباره موضوعا
يشمل كل الشعوب حيث انه يجب العمل من خلال المؤسسات المدنية بمختلف أشكالها، من مدارس وجامعات ومساجد، بالإضافة للمنتديات الثقافية، والنوادي الاجتماعية والرياضية للقاء أبناء الجالية، ومن خلال المطاعم، والمشاركة بالمعارض السنوية للثقافات الأخرى. دون أن ننسى فتح المكتبات وتخصيص أماكن فيها للأطفال لمطالعة الكتب.
و استعرضت تجربتها في المحافظة على هويتها افي مدريد، حيث كانت تقوم بكل النشطات الثقافية حبا في الوطن وتأكيداً على هويتها، ولتعريف الأسبان والغربيين ببلدها سوريا وبالثقافة العربية ، فكانت تنظم سنويا أسبوعا ثقافيا يتضمن المحاضرات والندوات وتقديم الكتب بالإضافة لمعرض للكتاب العربي الذي يخدم كل أبناء الجاليات العربية صغارا وكبارا ، كما تنظم معارض لكل الصناعات والأشغال اليدوية. بعد ذلك، بدأت في إقامة معارض للفن التشكيلي لفنانين سوريين وعرب. وكانت افتتاحيات المعارض يرافقها المطبخ السوري مما لذّ وطاب قد مد الجسور الثقافية بين الشرق والغرب للتعريف بالثقافتين، جسراً للتآخي بين عالمين.
كما استفادت من عملها في تدريس اللغة العربية في عدة معاهد، فكانت أثناء التدريس تعرّف الطلاب بسوريا ،مع الحرص على تمثيل بلادها خير تمثيل .
و أكدت أن وسائل الحفاظ على الهوية الوطنية كثيرة ، إذا وجدت الرغبة والإرادة بالتعاون مع المؤسسات المدنية الفاعلة في بلد المغترب.
وختمت المحاضرة بالقول إن العولمة لم تستطع أن تكون ثقافةً عالمية واحدة، وذلك لتعدد الثقافات في العالم، ومن المستحيل أن يكون ذلك في يوم من الأيام. وهذاهوالأجمل. فالتعددية الثقافية والتنوع يغني الأفراد والمجتمعات والأمم معا. الهوية الثقافية والحضارية لجماعة ما، تجعل للشخصية الوطنية أو القومية طابعا تتميز به من الآخرين. وقبول الآخر لا يعني الذوبان فيه، بل التعايش معه، وهذا يُغني ثقافة الجميع ويوحد بين الشعوب ويزيل العداوات.
فحين نتمتع بكل هذه الصفات ونمارسها في حياتنا اليومية، هذا يعني أننا نساهم بموضوع التنمية بين المجتمعات مهما تباعدت الحدود بينها.