ملتقى المؤلفين يناقش من اللغة العالمة إلى قضايا الهوية” ديسمبر 7, 2020
اعلام الملتقى-
ضمن مبادرة النقاد و ما يقاربون الأسبوعية و التي تبث عبر قناة يوتيوب و منصات التواصل الاجتماعي و التي يديرها الدكتور عبد الحق بلعابد أستاذ قضايا الأدب و الدراسات النقدية و المقاربة بجامعة قطر ، استضاف الملتقى القطري للمؤلفين مساء الإثنين الأستاذ الدكتور جعفر يايوش أكاديمي باحث من جامعة مستغانم بالجزائر لمناقشة موضوع” من اللغة العالمة إلى قضايا الهوية”
و قال الدكتور يايوش إن الحضارة الإسلامية المحرك الأول و الفاعل في التوجه للغة العالمة و الذي بدأ من القرآن الكريم في قوله تعالى “اقرأ باسم ربك الذي خلق” حيث أن الكتاب الكريم أحدث نقلة نوعية للأمة العربية بحيث جعلها تبتعد عن كثير من الخرافات والأساطير لتصل إلى مرحلة الحضارة صانعة لنفسها لغة عالمة فاهمة محققة لكثير من علوم عصرها ، وصار القرآن منذ نزوله نقطة الاشعاع لها، حتى أن الغرب حاولوا أن يحاكوا تلك التجربة، ليصنعوا لأنفسهم لغة عالمة تتكلم بالمصطلحات والمفاهيم لتخدم مناهجهم العلمية و المعرفية.
و بالعودة إلى اللغة العالمة في العالم العربي فقد شهدت تطورا مع الفتوحات الإسلامية و بداية التلاقح الفكري و الحضاري بين المسلمين و بقية البلدان التي فتحوها حيث كان هناك تأثير وتأثر، وهذا ما حفزته حركة الترجمة في العصر العباسي على وجه الخصوص، وكذلك ما شهدته الحضارة الأندلسية من حركة علمية، قامت على مقارنات ومقاربات ميدانية، أين استطاع الكثير من العلماء وضع مفاهيم ومصطلحات لتكون مفاتيح علومهم لتسهيل فهمها وتدريسها، فظهر أول معجم علمي في تاريخ الحضارة الإسلامية عربي يوناني ثم بعد ذلك لاتيني، و لم تتوقف الترجمة عند المصطلحات العلمية و العلوم بل انسحبت على الأدباء حيث أصبح الأدباء يحاولون الرجوع إلى النص الأصل ومن هنا كان الانطلاق الحقيقي للغة العالمة في مجال الأدب واللغة، وما هذا ما يظهر مدرسة خليل بن أحمد الفراهيدي لما انتقل أحد تلامذته الى بلاد الأندلس و أسس المدرسة الخليلية لتتشكلت مدونة حضارية لها معجمها الخاص سواء على مستوى الابداع أو النقد الأدبي. و كما تبنى رواد عصر النهضة بعد ذلك هذه الآلية من خلال مدونة علمية تتماشى مع روح العصر الجديد وتجاوز حصر المعرفة في اللغة اللاتينية ومن هنا بدأ انطلاق اللغات الحية الحديثة في أوروبا فكانت معظم المصطلحات العلمية مزيجا بين المصطلح اليوناني في شقه الأول و اللاتيني في الشق الثاني.
ولخص الدكتور يايوش مفهوم اللغة العالمة بكونها اللغة التي يكتبها العلماء والمتخصصون حيث تخرج المصطلحات من سياقها العام وتدخل في الحقل الدلالي المتخصص المتفق عليه من أهل الاختصاص سواء في العلوم الإنسانية أو العلمية أو حتى الفنون.
وفي سياق مختلف تحدث عن الأسلوبية الإحصائية حيث اشتغل على المدونة الشعرية العربية لرواد الشعر الحر المعاصر وفق قاعدة احتساب عدد الأفعال و الأسماء حيث أنه في العادة تطغى الأفعال على الأسلوب العلمي و الأسماء على الأسلوب الأدبي حيث تمكنهم هذه العملية من استخراج معجم الكاتب فكل شاعر لديه معجمه الخاص، ورغم أن البعض ينقد لغة الإحصاء و يعتبرها صماء إلا أنها تأخذ بعين الاعتبار الاستعمال في السياق و بذلك تكون الإحصائيات صالحة للتفسير والتأويل و حتى يمكن أن تكشف عاطفة الشاعر، فباستخراج المعجم الشعري يتم التعرف على الكلمات المفاتيح، وهذا الأمر ينسحب على الرواية حيث أن الاحصائيات تسهل عملية القراءة العالمة.
كما أولى قضايا الهوية مساحة مهمة من مداخلته، فلا يمكن للفرد سواء كان إنسانا عاديا أو عالما أو مثقفا أن يكوّن هوية وطنية، بعيدة عن الهوية اللغوية، التي تعد مكونا مهما لترسيخ روح الانتماء والولاء، لهذا لا بد عليا أن نربي أبناءنا على الحفاظ على هذه الهوية التي تبني شخصياتهم المعرفية التي تبني حضارة الأمم.